التوثيق التاريخي وأهميته خلال عصر العصر الحديث
التنزيلات
شهد القرن الثامن عشر حركة علمية وفلسفية واسعة ذات طابع ثوري، أطلق عليها اسم الاستنارة تحت رعاية الحكومات والأكاديميات العلمية لتبادل وجهات النظر بين المتعلمين، كما شهد العديد من التحولات التاريخية في مجال الاكتشافات والابتكارات والاهتمام بالحداثة، ونقل المجتمع من الاعتماد الخرافات والأساطير إلى تاريخ مبني على المعلومات والتوثيق الصحيح بدلا من ذلك ومن هنا جاء اختياري لهذا الموضوع. من خلال ذلك نقول بأن التاريخ أخد اتجاهاً علمياً معتمدا على التوثيق. كان التوثيق التاريخي قبل القرن الثامن عشر يهتم بالأدب والتأملات والأساطير ومدائح الملوك، والاهتمام بالغيبيات والقوي الخارقة للطبيعة أو ما يسمي بعصر التنوير أخد التاريخ شكله العلمي في قواعد وأصول فنية علمية راسخة، ولم تعد الأفكار التي سيطرت على فكر المؤرخ التقليدي وهي اهتمامه بشؤون السياسة وأحداثها بل أصبح التاريخ علماً عملياً موضوعياً. فقد بدل المؤرخون جهدهم لبحث موضوعات تاريخية مهمة وشهد هذا القرن ظهور فلاسفة ومؤرخين عدة من أمثال، فيكو، وفولتير، وجيبون، وهيوم، ومونتيسكيو، وروسو، وآدم سميث، وكوندرسيه، وغيرهم ممن عالج البحث فلسفتهم ونظرتهم للتاريخ. لقد أسهم فلاسفة عصر الاستنارة بأفكار جديدة في الدراسات التاريخية من خلال نقدهم للنصوص مما خلص التاريخ من الكثير من الأخطاء وهم أول من وسع أفق الإنسان الأوربي وغيره في نظرته للتاريخ، حتى غدت نظرة المؤرخ خلال عصر التنوير أكثر تحررا وأبعد عن التعصب الديني والقومي، وتوصلوا إلى أن التاريخ الحق هو تاريخ الفكر الذي يكشف عنه تقدم العقل البشري. يهتم التوثيق التاريخي قبل عصر التنوير مع التركيز على ما يشهده القرن الثامن عشر من تنوع في آفاق المعرفة التاريخية، وتنوع فروع التاريخ وتطور طرائق البحث التاريخية، حتى أطلق على القرن الثامن عشر بعصر صناعة التاريخ. ازدهرت ملامح القرن الثامن عشر بكونه عصر التنوير Enlightment أو الاحتكام إلي العقل، إذ ظهر فيه فلاسفة ومفكرون عظام في مختلف فرع المعرفة، أما التاريخ فقد أخد يستقر شيئا فشيئاً على قواعد وأصول فنية علمية خرجت به من مجال الأدب والفلسفة والتأملات وأساطير القديسين، ومدائح الملوك إلى أرض العلم الصلبة. وكان الاهتمام بالتاريخ في هذا القرن مظهرا من مظاهر الاهتمام بالإنسان، بمجرد دراسة الإنسان، بل لأن دراسة الماضي تزيدنا خبرة وتجربة، فضلاً عما في دراسة التاريخ من إشباع للنزعة العقلية في إصدار أحكام متحررة عن آراء الكنيسة ورجال السياسة، أخد المؤرخون ينتقدون القاعدة اللاهوتية التي قامت عليها مناهج الكتابة التاريخية في العصور الوسطى.